الثلاثاء، 29 نوفمبر 2011

الرسالة الأخيرة



عزيزي المدير

وأنا أغادر، لن أحمل معي "صوتك".

I

صوتك الجارح، الحاد، اللعين، صوتك هذا، لا غير، سأرميه بعيدا كـ قطعة حجر في المحيط الأطلسي. صوتك المباغت، كلماتك الـ تتطلب جبالا من الصبر لعلها تكون مُحتملة، عباراتك المعجونة بماء القسوة. "دراما" عذّبتني حتى توهمت أني سأموتُ، لا. لا، أرفض أن ألعب أي "دور" في دراما سيئة !  

II

نبرتك الساخرة اللاذعة، التي تقلل من شأن الطرف الآخر، بل تسحقه في الأرض. أسلوبك الاتهامي. ردات فعلك البعيدة عن المهنية، الشخصية جدا، الانتقامية واللامتسامحة.

 III
  
ماذا لو تسرّب صوتك واختبأ في إحدى "رفوف" الذاكرة؟

صوتك وأنتَ غاضب، كـ عاصفة، تثيرُ الفزع. صوتك الشائك، أو الشوكة، التي تنغرسُ عميقا بمهارة وإتقان. صوتك الرهيب، وقلبي الذي يقفز كما لو أنه قلب طفلةٍ في الخامسة، تنتظر العقاب.  صوت؟ صوت؟ متى سأنتهي من حكاية الصوتِ هذه.

IV
  
وأنا أغادر، أكثرُ ما أخشاه، أن أفتقد "صوتك".

الجمعة، 25 نوفمبر 2011

رسالة (8)



عزيزي المدير

قبل نهاية الدوام، اقتربتَ، نظرتَ إلي بحزن وقلت بصوتٍ أقرب للهمس:

"كل عام وأنتِ طيبة."

كانت لحظة مباغتة، ومؤثرة جدا ..

عامل النظافة "الآسيوي" كان شاهدا لأنه جاءني بعد قليل و أعلن:
المدير يحبك*، رجاءً، رجاءً، رجاءً ابقي في العمل و تراجعي عن قرار الاستقالة !



*أريد، هنا، أن أشدّد على تخليص الكلمة من "ثقلها" بالمعنى العربي، فهي أقرب لكلمةlike   الانجليزية وتعني الإعجاب، تقريبا.

الخميس، 24 نوفمبر 2011

رسالة (7)



عزيزي المدير

لا تتخيل حجم الزهد الذي أشعرُ به تجاهك وتجاه مؤسستك.
تسأل: ما المشكلة ؟
أجيب: كل شيء "تمام" !

أتدري لماذا ؟
لثقتي الأكيدة بأن شيئا لن يتغير
لن يجدي
لن يجلب أي منفعة
إذا كان كل شيء يتبدّل ويتحوّل، فأنت تجسّد أروع مثال لـ ما يمكنُ أن يعنيه "الثبات".
( لا أدري هل تمكنت من إخفاء السخرية، أم أني أفلتُّـها )

اليوم، وصلني هذا الايميل ردا على التقرير الذي طلبته:
Thanks Fatima

هذه أعلى درجات الرضا، هذا تعبيرك عن الامتنان، في حده الأقصى !

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

رسالة (6)



عزيزي المدير

أسعد الله ذاتكَ الطيبة ..

"المكنسة العملاقة الخفيّة، التي تُبدَّل وتشوّه وتمحو مشاهدَ، تعمل منذ آلاف السنين".*

المكنسة، نفسها، هي التي ألهبت مشاعر "الحنين"، منذ قدمت استقالتي يوم أمس الأول.
ولماذا الحنين، وهذا المكان كان طوال الأشهر الـ مضت، مرادف للقلق، الحزن الهائل، الاستياء في أكثر صوره هزليّة، وبكل ثقة سأقول: الإحباطات الفادحة.
إحباطات في صورة ضيفٍ ماكر يتساءل: ما الجديد؟ ما المهم؟ ما هو الشيء ذو القيمة؟

المكنسة، لا تكفّ عن شحن رأسي، بتفاصيل مثل:
التصريح الذي أعلنتَ فيه: يمكن الاعتماد عليك.
ابتسامة الرضا- نوعٌ من الابتسامات النادرة- مرة أو مرتين، اوه، محظوظة !
المفاجآت والفرص التي يحملها العمل كل يوم.
التغيّر "الهستيري" لمعادلات العلاقات بين الزملاء. علاقات متحوّلة بشكلٍ يثير الافتتان أو القرف أو الاثنين معا.
لم لا، الأحاديث الجانبية، الحالات "الكثيرة" خلال 8 ساعات فقط.

ما الذي تفعله المكنسة بالضبط ؟

تذكّرني برغبتك الغامضة بالتمسك بالموظفين، كما لو أنهم ممتلكاتك الشخصية ؟؟
بنظرتك، وقد امتلأتْ بالفزع: هل فكرتِ جيدا في هذا القرار ؟ متى –بحق الجحيم- فكرتِ ؟؟
خطابك "الأبوي" المباغت، الممل، الذي –للمفارقة – كلما زادتْ درجةُ الملل فيه، شعرتُ بأنه ممتع.
كلماتك التي رقّت، وترقرقتْ، وأنتَ تضمّنها ضعفا لا يليق بـ مدير يحدّث موظفة مبتدئة.

اوف، إنها المكنسة، الـ "تعمل منذ آلاف السنين"!


* ميلان كونديرا / الجهل

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

رسالة (5)




عزيزي المدير

" إذا بحثوا أمرا غاصوا في تفاصيله، و تعرجاته إلى درجة إثارة جنون البعض"

هكذا يقول برجك.
وهكذا أنا الآن، مصابة بالجنون، وأريد أن أقتلك.

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

رسالة (4)


عزيزي المدير


ها أنتَ تستعيدُ بقايا حيويتك، أتيقن من هذا في اللحظة التي أستلم، عبر الايميل، "دعوة" لاجتماعِ مهم.
هوسك بالاجتماعات طالما أسَرَني، لا شك أنك واحدٌ ممن عناهم ارنست همنغواي "كثيرون يتحدثون بهدف التمتُّع بلذةِ سماع صوتهم وهم يتكلمون"، هذا ما توفّره لك "فكرة" الاجتماعات تماما، لا يغادرك الزهو وأنت تناقش، تسأل، تقترح، تقرر، ولم لا، تدين وتستنكر ..

ماذا لو، خطر لك، أن تجرحني أمامهم ؟؟

سأصبر !

هيّأتُ نفسي وبمثابرةٍ جادة لتمثّل هذا الدور، وعشته لحظةً بلحظة. ذهبتُ للاجتماع وأنا أعاني آلاما قاتلة في البطن، ذبذبات صداعٍ لا يُحتمل، أفكّر في احتمالات "الإيذاء"، ذهبتُ بوجهٍ شاحب حرصتُ على تجميله بابتسامةٍ ملفقة.

 اجتمعتَ بنا إذا، الساعة 1 ظهرا، من أجل تطبيق برنامج "أفضل موظف في الشهر".

قلت لنا:
دعونا نضع معايير للاختيار، سأبدأ أنا. أول معيار:
Zero Errors. I will not accept even one error or mistake

كانت رسالة مبطّنة، وملغّمة. هه ! سيتوالى القصف، أخفف من الإيقاع السريع لأنفاسي، أخربش بالقلم، أرسمُ على وجهي ابتساماتٍ بلهاء.

لم يدر في خلدي يوماً أن بوسعي تحمل كل هذا، رغم كل شيء، ظلت صورتي الخارجية محتفظة بأعلى درجات التوازن.

الأحد، 20 نوفمبر 2011

رسالة (3)


عزيزي المدير

الزمن سريع جدا ..
ها هي مشاكلك مع موظف (ج) الذي كنتَ، حتى وقتٍ قريب، تستعينُ به على موظفين آخرين
شهرٌ واحد، فقط، كان يفصلك عن هذا الواقع
شهر هو – بالتأكيد – من أغرب وأقسى وأمضى وأشّد وأسوء الشهور ..
أحس بغرابة هذه اللحظة ..
بخصوصيتها .. 
وباحتوائها العميق على عنصر التعلّم ..

ما الذي نتعلّم من قسوة الزمن ؟ ما الذي قد نفوّت ؟؟

السبت، 19 نوفمبر 2011

رسالة (2)



عزيزي المدير

كيف حالك ؟ كيف هيَ صحتك ؟

وصلني، اليوم، هذا الإيميل الخاطف من زميلة:

Welcome to the Shame list

رغم أن زميلتي، التي أحبها جدا، تميل لإضفاء نكهة ساخرة على كل شيء، إلا أنها وصفتْ ما أنا عليه بالضبط. أشارت لـ الزاوية التي تحاول أن تخنقني فيها، صرتُ كـ الهمّ الذي تقاومه وتستعيذ منه، وأنت –لو تدري- في غنى عن ذلك كلّه !
هل كان من الضروري، استخدامك للعصا، في هذه الحالة ؟!
لماذا استبعدت –وفقا لمعرفتك العميقة- تلك الجزرة ؟ لماذا أخفيتها ؟ ربما التهمتها.

هل تساءلتَ لماذا تعاني من الموظفين، دائما ؟
هل وقفتَ مع نفسك وقفة مصارحة ؟؟

"خصومتك" تجعلني في منأى عن "سوء معاملتك" ..
شكرا لك على هذا الهدوء.

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

رسالة (1)



عزيزي المدير   
                
متأكدة: أنتَ تشعر ببعض الندم.
على الأرجح: أنت تشعر بشيء من الغضب على نفسك.

تودّ لو يعود الزمن، وتنحذف هذه المشاحنة، الــ جمعتنا، إلى الأبد.
ليس لأنها استثنائية، وأنت صاحب التاريخ العريق، بل لأنها جاءت في الوقت الخطأ، بالنسبة لك. أنت، الآن، أضعف من أي وقتٍ آخر: مريض بالسكر، وتعاني من قلق عميق جدا بخصوص الأمور المالية.

عزيزي

لم أستطع أن أكرهك ..ثمة طيبة رائعة في داخلك، لا أستطيع الإستهانة بها.
ولكن ربما حذفتُ مسألة الإعجاب بتاريخك المهني، تماما !!

هذه ليست رسائل



ليست "شيئا" حقيقيا، لأن "الحقيقي" قد تلاشى دون رجعة.
الأكثر أهمية، الأشد دقة، هو أمرٌ مختلف.
هنا، لن تقرأوا إلا "نسخة" باهتة، انتقائية، ومتكلفة.

لا أدري من هو القائل: "نحن نموت دون أن نعرف ما عشناه."
مع ذلك، نستمر في الكتابة، متوهمين أننا قبضنا على تلك المعرفة.

هذه ليست "رسائل": تسع نصوص (09).
لكن – يا للأسى – قد تكون استغرقتْ : سنة، أشهر، أيام طويلة، لحظات عصيبة.
في النهاية، هذا لا يهم، انظروا كيف تحوّل الأمر برمته إلى "نصّ"، وأي نص مشوّه ؟!

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

الأرامل



الأرامل
ايريل دورفمان
ترجمة د. عبدالوهاب المقالح
دار نينوى - الطبعة الثانية 2002


رواية عن اختفاء الرجال على أيدي البوليس السري للدكتاتوريات، دون أن يظهروا مرة أخرى، أبدا.

أو هي حكاية المصائر "المعلّقة" التي تجعل سبعا وثلاثين أرملة، يتنازعن على شيء واحد، ليس سوى (جثة) "ها نحن قد سجلنا رقما ما، في حين أننا نفشل دائما فشلا ذريعا في المنافسات الرياضية، أرامل كثر، لجثة واحدة، أكثر من أي مكان آخر."

يخاطبهن القائد العسكري:

-
الهوس الشديد بدفن الرجال، الذين لا صلة لهم مطلقا بأسركن، هو في الحقيقة ضربٌ من الجنون، بل إنني لا أجد حرجا في وصفه بأنه هستيريا جماعية.

تساءلت هل هو الهوس بالدفن، أم الهوس بـدفن "القلق" و"الترقب" ؟

لا يوجد عندي شك أن الرواية كُتبت بشكل ممتاز، مُتقن، وبموهبة سردية خلاقة ومتميزة، لهذا قرأتها بالكثير من الشراهة/المتعة/التماهي/التأثر..

لكني - ربما - لم أقتنع كثيرا بكيفية لملمة الحبكة السردية في شكلها النهائي، كيف بدتْ بعض الأجزاء ناشزة أو ربما هو نوعٌ من "الابتكار" الذي لم أنسجم معه.

الجدل الذي تثيره حقيبة يد



الأم: هذا سعرها ؟! ما "تستاهل" أكثر من دينارين !

الأخت: جميلة  لو كانت ، فقط، أكبر حجما

الزميلة: مستحيل أشتري مثلها ..

الصديقة: تشبه نوعا من أنواع "السيراميك"

أخت الزوج: لم أستسغها، كأنها مصابة بداء "الجدري المائي"

الأحد، 13 نوفمبر 2011

في هجاء العمود الصحفي



الكتابة على عجل، هي سِمة صحفيّة بامتياز.
يُمكن لشريحة لا بأس بها من قرّاء متوسطي الذكاء، أنْ يلاحظوا كميّة التساهل، السطحية، اللّف والتكرار الذي تحفل به مقالاتٌ كثيرة تُنشر و لازالت في الصحافة.
.
.
لا أتذكر، آخر مرة، قرأتُ فيها عموداً صحفيا أعجبني.

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

شاعرية المُجازفة ..

ماذا يعني لي، وأنا أتقدّم أكثر، استحضارُ "ذاتي" المُغامِرة ؟
تخيّلوا معي، ولو للحظات، كل هذا الليل، بسواده وقسوته وتمكّنه، يتحالف مع هواءٍ مرعب، بارد، مفتوح على احتمالات تشبه: العاصفة، الرعد، المطر الغاضب.
لا زلتم تتخيلون ؟ أنتم تتقدمون، بحذرٍ شديد، نحو البحر. لا أحد هناك. سوى "ذاتٍ" مُثارة بشعورٍ حالم، ستلحق بكم، بعد قليل.




ما يحتويني الآن:  رائحة البحر، رائحة التراب، رائحة الصخور، رائحة المغامرة !
قدميّ تنغرسان، لكني، بزهوٍ واضح، أمارس لعبة الإفلات والتقدّم أكثر. أصل إلى الموج المتلاطم، آه كم تبعث كلمةُ "المتلاطم" شجنا لذيذا، أتوقف للحظات. ربما لأختار:
 أي زورق ؟
أي رحلة ؟   
.
.
.
في الأفق، ذاتٌ مغامرة، تصل معي ونجلس معا على حافة الزورق.
كانت أختي، ذكّرتها كثيرا : أنا أول من وصل. أنا أول من فكّر في هذه المغامرة. ربما لأجعلها تتخيل: أنها التلميذة وأنا الأستاذ، أنها ستبقى – دائما – الأخت الصغيرة التي تلحق بأختها الكبيرة. 

الجمعة، 4 نوفمبر 2011

خطأ رقم 07



مثل جندي فوّت عليه قتل عدوه ذات فرصة، ثم التقى به مجددا في معركةٍ خاسرة.
أنا أيضا.
أضعتُ تلك الفرصة الثمينة، كي أقتلك داخل قلبي.
وحين مرّ الوقت، أدهشني كيف تمكّنتَ من النمو، هناك، كشجرة.


* حقوق الصورة محفوظة لـ Shorty