الأحد، 16 سبتمبر 2012

الأعرج يتعكّز (اللغة) - قراءة في رواية القبار الأعرج


يمكنني أن أصنف هذه المراجعة بتصنيفات كثيرة
انطباعية – عفوية – مرتبكة - انتقائية

نعم، هي انتقائية، فهي لا تحيط بالعمل كله إلا بانتقاء محاور معينة والتحدث بإيجاز.


الأعرج يتعكّز (اللغة)




القبار الأعرج ( رواية )
عبدالعزيز الموسوي
دار فراديس للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى 2012


يمكنني القول: هذا الأعرج يتعكّز على الكتابة عموما، لكني وجدته يستعينُ بلغةٍ فاتنة، هناك عناية خاصة باختيار الكلمات وفي صياغة العبارات. تراكيب وجمل "مسبوكة" في ورشةٍ فاخرة، يخفّ وهجها في بعض الصفحات، و سرعان ما تعود للتألق. أيضا ثمة اتجاه لأنسنة الأشياء (الحقائب سئمت ظهورهم أيضا)، (الحزنُ يشعر بي)..

العنوان
القبار الذي يحفر وينبش، وما أن ينتهي حتى يجد (قبره جاهزا) هو بلا شك عنوان عميق. أما الأعرج فهو يشير إلى عرج حقيقي يتعرض له – كان بالإمكان إضاءة هذا المعنى وإكسابه أبعادا مزدوجة كما حدث بإتقان مع ثيمة الحفر-.

الراوي
الحكيم، الواعظ، المتحذلق، وأحيانا كاتب العمود الصحفي المشغول بهموم المواطن (طالبناهم بمستحقاتنا طوال تلك السنوات ولم نحصل إلا على فتات، طالبنا بتعديل الدرجات الوظيفية لتتساوى مع الوزارات الأخرى). أحزنني تورط هذا القبار بإصدار الأحكام القاسية، بالاتهامات، ولم لا، بنفث الأحقاد. يوشك على السقوط في فخ المثالية لولا أن يتدارك، وينتشل نفسه بإحالة ذكية إلى "جين" ورثه من والده، جين الإغداق في النصائح، هذا ما حوّل الموضوع إلى المنحى الفني، وخفف من وطأة النبرة الوعظية.

الشخصيات
هيمنت شخصية واحدة على هذا المنجز، وما يثير الدهشة هو قدرة هذه الشخصية على "قمع" الآخرين، فـ لا يكفي أننا لم نسمع صوتهم، أو نتعرف على آرائهم الخاصة بما يحدث، ولكن حتى باب الاحتمالات المفتوحة قد أغلق، وحضر التفسير الأوحد، الذي هو وفق ما يشتهيه ويتصوّره القبار. في نوبة إغواء مثلا، وعلى الرغم من البراعة في وصف اللحظات، الإيماءات، أساليب الإغواء، إلا أننا لا نستطيع أن نتيقن تماما مما تفعله منى، لم يُتح لنا أن نفهم دوافعها "الحقيقية" على الرغم من العنوان الصارم (نوبة إغواء)، نجد ثقة متعالية يعبر عنها الراوي (انتهيت من كتابة الصفحات الأولى من حياتها وتركت لها تكملة الباقي بعيدا عن حبري)، إذاً نحن أمام قلم تطوّع للكتابة عن حياتها في فصلها الأول، دون أن يكترث بما تعتقده شخصيا.

نوبات
هناك ما هو أبعد من مجرد التقسيم؛ إنها الكتابة وفق ثيمات محددة، ولذلك راقتني هذه النوبات بتعدّدها، بإحالاتها، بالمعاني المخبوءة فيها. افتتنت بـ نوبة تأنيث (مربكٌ أن تجد نفسك في حقل إناث، أخشى فعلا أن أتأنث تدريجيا)، لكن في نوبة حب -لو تغاضينا عن المتعة التي يخلقها مجرد الحديث عن قصة حب-كنتُ أتساءل: ما الجديد هنا ؟ هل تم اقتراف أي تجاوز لآلاف القصص النمطية ؟


العمل إجمالا
يقترب المنجز من منطقة السيرة الذاتية "النفسية"، و يؤرخ لسيرة الكتابة: (أكتب الآن لأني وحيد، الوحدة التي لا تبدّدها سوى الكتابة) يشبه الأمر "حفر" ممر صغير-وفي نفس الوقت شائك- يقودنا إلى عوالم داخلية وذاكرة تنوء بحمل ثقيل (ليس من العدل أن أتحمّل رائحة النتن طوال هذه السنوات وحدي).
تضمنت الرواية حسا ساخرا أكسب السرد حيوية مميزة، نقرأ ("إلى حارس البوابة المحترمة، الرجاء السماح للطالب بالخروج من المدرسة" لا أدّعي هنا بأني سيبويه لكني أجزم أن كلمة المحترمة تعود على البوابة أما الحارس فهو أداة للتنفيذ وحسب.)