‏إظهار الرسائل ذات التسميات بيتُ الكتب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات بيتُ الكتب. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

اسمي أحمر - أورهان باموق



اسمي أحمر
أورهان باموق
ترجمة: عبدالقادر عبداللي
دار المدى – الطبعة الثانية 2004 


- وجدتُ الافتتاحية جميلة بقدر ما تخلق من دهشةٍ وفضول (أنا ميت، جثة في قعر جب ...)، وهي لم تكن مضللة أبدا لأنها شرّعت الباب على محتوى غني جدا هو بالتأكيد حصيلة جهود ومثابرة تدعو للإعجاب، الثراء في التفاصيل والمعلومات والحكايات الجانبية كان موازيا –في متعته وتشويقه- لقصة القتل الغامضة، وقصة الحب بين شكورة وقرة بكل ما فيها من توتر وعناد والتباس. 

- أسلوب السرد بلسان حال الجمادات أو النبات والحيوان، ليس بجديد في الأدب. ما يميز أورهان باموق في نظري هو براعته في التماهي مع هذه الكائنات، هو يقترب من مرحلة خطيرة جدا كأنه ينفث فيها الحياة، يخلقها من جديد، يُشعِر القاريء أن هذه الشجرة تكلمه فعلا، وقطعة التقد ظريفة و"خفيفة روح"، وأن اللون الأحمر يتلو علينا قصيدة بصوته الدافيء، والحصان لم تنقصه المباهاة التي تليق بمكانته، والشيطان مفكّر استمد عمقه وحكمته نتيجة آلاف السنوات التي قضاها على هذه الأرض.

- الجزء الذي قُتل فيه "زوج الخالة" كان مروّعا، فيه تألق أورهان حتى وصل الذروة في قدرته على لملمة الحكاية، وكأننا هناك، في تلك الغرفة المظلمة نراقب ما يجري دون أن يكون بمقدورنا فعلُ شيء، لقد نجح في أن يلامس نقطة عميقة في دواخلنا نحن القراء، وحين كتب عنه وهو "روح" ترفرف في السماوات شعرتُ أنها كتابة صادرة من أحد الصوفيين، إنه يكتب بمحبة وينثر بين الصفحات روحانية لذيذة ممزوجة بعمق البحث والنبش في الكتب القديمة .


- هناك أفكار ورؤى مُلفتة في الرواية: فلسفة العمى فاتنة جدا، يقول الأستاذ عثمان، كبير النقاشين، أن (العمى بداية مهرجان سعادة باعتباره الهم الأزلي للنقاش العظيم وإرادته السرية) ويواصل رؤيته الشاعرية للعمى والنقاشين الذين أعموا أنفسهم (تتعكر في نظرهم وسط نعومة الاتجاه نحو العمى بحلاوة. أي سعادةٍ تلك؟! هل تعرفون أي رسم أريد رؤيته في طريقي إلى ظلام العمى؟) العمى بوصفه فخرا ومكافأة لعمرٍ طويل من النقش، ودليل حاسم على قوة الإخلاص للفن.
ينظر النقاشون للحسد والغيرة باعتباره الشر الذي لا مفرّ منه، وكل شخص يتهم الآخر به لأنه أكثر مهارة وبراعة، أحدهم يقول (ذلك الشعور المنتشر بيننا جميعا ويلتهمنا وينهينا ولا يمكننا التخلي عنه ألا وهو الشعور بالغيرة) ..

الترجمة
- إذا كان أورهان باموق سيعلّم أوروبا فن الرواية، فإن عبدالقادر عبداللي سيعلّمنا أصول الترجمة السيئة!
يفتقد المترجم للحساسية والرهافة، يشبه الأمر أن: تستمتع بقراءة كتاب شيّق لكنك تجلس على كرسي غير مريح، أو تعرّض نفسك لطقسٍ ملبّد، هذه مجرد عينات:

( كانت الجارية خيرية عند الباب وحالتها حالة. ) ص 189
( كان الخضريون قد فرشوا الملفوف والجزر أمام دكاكينهم ) ص 194
( وشعرتُ بأن قرة لا يندهش لرسم الشيطان الذي يفرّجه عليه أبي ) ص 202
( نتمنى ألا يظهر زعلان في قلب هذا الجمع النخبة الذي يملأ هذا المقهى ) ص 453

الأحد، 16 سبتمبر 2012

الأعرج يتعكّز (اللغة) - قراءة في رواية القبار الأعرج


يمكنني أن أصنف هذه المراجعة بتصنيفات كثيرة
انطباعية – عفوية – مرتبكة - انتقائية

نعم، هي انتقائية، فهي لا تحيط بالعمل كله إلا بانتقاء محاور معينة والتحدث بإيجاز.


الأعرج يتعكّز (اللغة)




القبار الأعرج ( رواية )
عبدالعزيز الموسوي
دار فراديس للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى 2012


يمكنني القول: هذا الأعرج يتعكّز على الكتابة عموما، لكني وجدته يستعينُ بلغةٍ فاتنة، هناك عناية خاصة باختيار الكلمات وفي صياغة العبارات. تراكيب وجمل "مسبوكة" في ورشةٍ فاخرة، يخفّ وهجها في بعض الصفحات، و سرعان ما تعود للتألق. أيضا ثمة اتجاه لأنسنة الأشياء (الحقائب سئمت ظهورهم أيضا)، (الحزنُ يشعر بي)..

العنوان
القبار الذي يحفر وينبش، وما أن ينتهي حتى يجد (قبره جاهزا) هو بلا شك عنوان عميق. أما الأعرج فهو يشير إلى عرج حقيقي يتعرض له – كان بالإمكان إضاءة هذا المعنى وإكسابه أبعادا مزدوجة كما حدث بإتقان مع ثيمة الحفر-.

الراوي
الحكيم، الواعظ، المتحذلق، وأحيانا كاتب العمود الصحفي المشغول بهموم المواطن (طالبناهم بمستحقاتنا طوال تلك السنوات ولم نحصل إلا على فتات، طالبنا بتعديل الدرجات الوظيفية لتتساوى مع الوزارات الأخرى). أحزنني تورط هذا القبار بإصدار الأحكام القاسية، بالاتهامات، ولم لا، بنفث الأحقاد. يوشك على السقوط في فخ المثالية لولا أن يتدارك، وينتشل نفسه بإحالة ذكية إلى "جين" ورثه من والده، جين الإغداق في النصائح، هذا ما حوّل الموضوع إلى المنحى الفني، وخفف من وطأة النبرة الوعظية.

الشخصيات
هيمنت شخصية واحدة على هذا المنجز، وما يثير الدهشة هو قدرة هذه الشخصية على "قمع" الآخرين، فـ لا يكفي أننا لم نسمع صوتهم، أو نتعرف على آرائهم الخاصة بما يحدث، ولكن حتى باب الاحتمالات المفتوحة قد أغلق، وحضر التفسير الأوحد، الذي هو وفق ما يشتهيه ويتصوّره القبار. في نوبة إغواء مثلا، وعلى الرغم من البراعة في وصف اللحظات، الإيماءات، أساليب الإغواء، إلا أننا لا نستطيع أن نتيقن تماما مما تفعله منى، لم يُتح لنا أن نفهم دوافعها "الحقيقية" على الرغم من العنوان الصارم (نوبة إغواء)، نجد ثقة متعالية يعبر عنها الراوي (انتهيت من كتابة الصفحات الأولى من حياتها وتركت لها تكملة الباقي بعيدا عن حبري)، إذاً نحن أمام قلم تطوّع للكتابة عن حياتها في فصلها الأول، دون أن يكترث بما تعتقده شخصيا.

نوبات
هناك ما هو أبعد من مجرد التقسيم؛ إنها الكتابة وفق ثيمات محددة، ولذلك راقتني هذه النوبات بتعدّدها، بإحالاتها، بالمعاني المخبوءة فيها. افتتنت بـ نوبة تأنيث (مربكٌ أن تجد نفسك في حقل إناث، أخشى فعلا أن أتأنث تدريجيا)، لكن في نوبة حب -لو تغاضينا عن المتعة التي يخلقها مجرد الحديث عن قصة حب-كنتُ أتساءل: ما الجديد هنا ؟ هل تم اقتراف أي تجاوز لآلاف القصص النمطية ؟


العمل إجمالا
يقترب المنجز من منطقة السيرة الذاتية "النفسية"، و يؤرخ لسيرة الكتابة: (أكتب الآن لأني وحيد، الوحدة التي لا تبدّدها سوى الكتابة) يشبه الأمر "حفر" ممر صغير-وفي نفس الوقت شائك- يقودنا إلى عوالم داخلية وذاكرة تنوء بحمل ثقيل (ليس من العدل أن أتحمّل رائحة النتن طوال هذه السنوات وحدي).
تضمنت الرواية حسا ساخرا أكسب السرد حيوية مميزة، نقرأ ("إلى حارس البوابة المحترمة، الرجاء السماح للطالب بالخروج من المدرسة" لا أدّعي هنا بأني سيبويه لكني أجزم أن كلمة المحترمة تعود على البوابة أما الحارس فهو أداة للتنفيذ وحسب.)

الاثنين، 14 نوفمبر 2011

الأرامل



الأرامل
ايريل دورفمان
ترجمة د. عبدالوهاب المقالح
دار نينوى - الطبعة الثانية 2002


رواية عن اختفاء الرجال على أيدي البوليس السري للدكتاتوريات، دون أن يظهروا مرة أخرى، أبدا.

أو هي حكاية المصائر "المعلّقة" التي تجعل سبعا وثلاثين أرملة، يتنازعن على شيء واحد، ليس سوى (جثة) "ها نحن قد سجلنا رقما ما، في حين أننا نفشل دائما فشلا ذريعا في المنافسات الرياضية، أرامل كثر، لجثة واحدة، أكثر من أي مكان آخر."

يخاطبهن القائد العسكري:

-
الهوس الشديد بدفن الرجال، الذين لا صلة لهم مطلقا بأسركن، هو في الحقيقة ضربٌ من الجنون، بل إنني لا أجد حرجا في وصفه بأنه هستيريا جماعية.

تساءلت هل هو الهوس بالدفن، أم الهوس بـدفن "القلق" و"الترقب" ؟

لا يوجد عندي شك أن الرواية كُتبت بشكل ممتاز، مُتقن، وبموهبة سردية خلاقة ومتميزة، لهذا قرأتها بالكثير من الشراهة/المتعة/التماهي/التأثر..

لكني - ربما - لم أقتنع كثيرا بكيفية لملمة الحبكة السردية في شكلها النهائي، كيف بدتْ بعض الأجزاء ناشزة أو ربما هو نوعٌ من "الابتكار" الذي لم أنسجم معه.

الاثنين، 31 أكتوبر 2011

ألف منزل للحلم والرعب



لم يسبق لي أنْ تمنيت لو أكون كاتب الرواية التي أقرأها، كما حصل مع "ألف منزل للحلم والرعب".
أريد أن أكتب بهذه الطريقة الأنيقة عن الموت، طريقة استثنائية، غير متوقعة، مربكة، ومرعبة.

أخبروني، ألن تشعروا بالبرد وأنتم تقرأون:
"أرتجف من داخلي أيضا- من الألم، من البرد، من برودة القبر، من برودة الموت."

في الرواية ستكتشف متعة أن تقرأ وتتساءل، أين هو الآن؟ هل هو مريض؟ يهلوس؟ يحتضر؟ ميت فعلا؟!
يمتلك عتيق رحيمي لغة رهيبة، مجاز حاذق، تعبيرات لمّاحة:
"تحت عفارة التشادري، كانت تشعر بجنون الحزن."
"وضعت أمي قطعة السكر المبللة في صحنها. ذاب السكر، تماما مثل قلب أمي."
"لقد ذهبت لتضع وجهها المرتعب خلف الباب. إنها تنتظرني أنا."
"مثل الشمعة الموضوعة على حافة النافذة، يذوب جسدي ويسيل على الفراش."
أو هذا التعبير:
"لقد أخرجني الطفل من حلمه. أنا مخلوق حُلُمي. أب خيالي. زوج متخيل. ما الفائدة إذا بالنضال كي أعود إلى الحياة؟"
بوجه عام، الحديث عن الحلم يضفي هالة ساحرة على أي نص، لكن أن تكتب بهذا الشكل، شيء خارق ..!

كل هذا تقرأه بعفوية، لم أشعر بأثر لأي تصنّع أو تكلّف، رغم أن الاشتغالات والثيمات المدسوسة في الكتاب تصعب معها التلقائية، لكن رحيمي نجح، نجاحا كبيرا ..
"لا تعلن أمي خبرا سيئا للتو. تتركه يسكنها فترة ما، تبكي، تظهر حنقها .. غدا صباحا، عند الفطور، ستقول"  

الخميس، 27 أكتوبر 2011

لحظة شاعرية



أدخل. أكتشف – من جديد – أن هذه الكتب ســ تبقى "نقطة ضعفي"، وأني لا أجيد مقاومة شرائها. أتجاهل كل نداءٍ عقلاني يحاولُ حرماني من متعة الاقتناء. لاحظوا لم أستخدم مفردة "قراءة" أو "إطلاع" لحد الآن !

كما يحدثُ في الأفلام، أو في الرواياتْ المُرهفة، أتعثر بكتابك.

أستغل لحظات انشغال صديقتي بكتب تطوير الذات وتحقيق النجاح، أمدّ يدي لكومةِ الأوراق، أصاب بـ نوبة خدْر ٍ مؤقتة. كتابك؟ كم أثار فيّ الشجن، وتماما، كما يحدث في الأفلام، أو في الروايات المُرهفة، أقرّب الكتاب إلى قلبي واحتضنه. عليّ الاعتراف أن هذا الحنان قد فاجأني !

تقولُ مقدمة الكتاب في وارد الحديثِ عنك: ولد عام 1922 وتوفي مساء 4-4-1998 .
هذا لا يعني شيئا بالنسبة لي. أن تكون في قبرك، أو في بيتك تحتسي كوب قهوةٍ باردة.
ما يهمني، بصدق، كل هذه الانفعالات/ اللهفة وأنا أقلّب في صفحات الكتاب. هل هو الحنين إلى الزمنِ الهارب الذي قرأتك فيه؟ الساعات الفاتنة التي أسرتني فيها بكلماتك الدافئة؟ أي سحر؟



عند الكاونتر، أدفع قيمة ثلاثة كتب، ديوانيّ شعر ورواية واعدة. أرمقُ كتابك، وقد ابتعته بشغفٍ فريدٍ/غريب ، أطمئنُ في كل حين إلى وجوده، أفكّر في مستقبله، في الوقت الذي سنتشاركه معا. هي- بحق – لحظة شاعرية، لستُ متأكدة، هل تتكررُ في الأفلام أو الروايات المرهفة ؟!  

السبت، 18 يونيو 2011

على هامش ما يكتبه الماغوط



لغة حادة، قاسية، جارحة، حسّاسة، شديدة التوتر، مضيئة، موحية، تتعثرُ فيها بـ الجنازير، بالجثث والخرائب ..
يحضرُ (الخبز) كـ همٍّ أزليّ، يحضر (الجوع) و(الدمع) و(الهزائم) ..
لذا، من يريدُ أن يقرأ للماغوط، عليه أن يتحضّر لوجبةٍ دسمة من الكآبة:
"هكذا أودّك يا حبيبتي
زهرةً برية أو يمامةً في عنقِ الريح
ولكنني يائسٌ حتى الموت
أتقهقرُ بلا رويةٍ على تلال الحبر"

في ديوان (حزن في ضوء القمر)، وإلى حدٍ ما (غرفة بملايين الجدران)، تصدمنا "ذات" الشاعر، احتراقه، مراراتُ أيامه وهواجسه اللاذعة، سنقرأ مثلا
"وكان أبي، لا يحبني كثيرا،
يضربني على قفاي كالجارية
ويشتمني في السوق"

وهذا الرجاء الذي يشبه مواءً كئيبا
"دعوني أنطفيء كشمعةٍ أمام الريح
أتألمُ كالماء حول السفينة"

أما في ديوان (الفرح ليس مهنتي) تحضر "رؤى" الشاعر وتصوراته، وهي التجربة "الأكثر نضجا" مقارنةً بالديوانين الآخرين، سنجد الإبداع والمشاكسات والألم الساخر يأخذ مساحةً أكثر تحررا من الهم الذاتي والشخصي المباشر ..
"لو كانتْ الحرية ثلجاً
لنمتُ طوال حياتي بلا مأوى"
.
.
ما أعرفه أنها دواوينُ ثلاثة، سأحب دائما أن أعود لها وسأقترف –عن سابق إصرار – فعل الاطلاّع عليها وقراءتها مرّات ومرّات ...

الجمعة، 10 يونيو 2011

عن مياهٍ لها لونُ الغرق



القراءة لإيميل سيوران مرهقة، رغم أن طبيعة الكتاب الذي يعتمد أسلوب "الومضة" أو "البرقية" قد يوحي للوهلة الأولى أنه وجبة سريعة .. 

يميل الكاتب للتحدّث بسخرية، بلغة عميقة ولاذعة، لكنه لن يضعك -عزيزي القاريء- نصب عينيه، لن يفتّش عن رضاك، إنه يكتب غيرُ آبهٍ بأحد .. 

سيوران شديدُ الإخلاص ليأسه المختلف، يسخر من "المتفائلين" الذين "يقترفون الأمل" على حساب الآخرين، يمجّد اليأس لأنه "بديهي" و"ذو أسباب وجيهة" أما الأمل فعلينا أن نتأمل سخاءه في الغش !

 يلح المترجم آدم فتحي ( من الواضح أنه قاريء ضليع ) بالإدعاء أن عقل سيوران شغوف بالمفارقات والتناقضات، وقد ساق أمثلة عدة في الهوامش الملحقة بكل فصل. 


بكلمة موجزة، كاتب استثنائي قادر على إنهاك الحواس.

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

فرويد والأحلام



نظرية الأحلام
سيغموند فرويد
جورج طرابيشي ( المترجم )
دار الطليعة للطباعة والنشر – الطبعة 7
تاريخ القراءة: 27  يناير 2010 

رغم أن كتابا يحتوي عنوانه على مفردة "نظرية" قد يثير شيئا من "الفزع" أو الخشية من مضمون منفّر وغامض يحتاج لشروح وتفسيرات؛ إلا أن كتاب فرويد هذا لا ينطبق عليه الوصف. إنه يميل للتشويق، كما أنه على درجة عاليةٍ من الحيوية ذلك أنه في الأساس كان مجموعة محاضرات ألقاها سيغموند فرويد في جامعة كلارك في الولايات المتحدة  سنة  1909

بدا لي فرويد "مدافعا" عن الحلم، يتعامل  معه بتقدير خاص، ويقول أحد الباحثين أن فرويد استقى اهتمامه متأثرا بما جاء في التوراة من فكرة تشير إلى أن "كل حلم يتضمن رسالة ما"

هناك مصطلحات معينة ابتدعها الطبيب النمساوي اللامع، لن يتمكن الفرد من استيعابها إلا اذا اطّلع وقرأ وأعاد قراءة بعض السطور، منها على سبيل المثال "صياغة الحلم" و "عمل الحلم" و"الحلم الظاهر" و"الحلم الكامن" و"رقابة الحلم" الذي راقني ودوّنته عندي ويعني نوع من "المقاومة" وظيفتها إحداث تحريف في الحلم، وتذهب بعيدا من خلال موالاة عملها بالحفاظ على التحريف و"صونه" ..
في الحديث عن (رمزية الحلم) بدا لي فرويد مبالغا في حماسته، وبعد أن حشد الكثير جدا من الرموز وأسبغ عليها تفسيرا جنسيا، قلت بيني وبين نفسي

It's Over

وأحسبني ممن عناهم فرويد عندما صرّح (قد تقولون لي بسخط واستنكار: من يسمعك يخيل إليه أننا لا نعيش إلا في عالم من الرموز الجنسية ، أكل ما يحيط من أشياء، وكل ما نرتديه من ملابس، وكل ما نحمله باليد، أهو كله عندك رموز جنسية، ولا شيء غير ذلك؟ ..)
والغريب أنك تنتظر منه مبررات مقنعة، فلا تجده إلا وقد زاد ادّعاءاته هشاشة، وهي بالمناسبة ليست قليلة !

الأسلوب ممتع جدا، وستجد فرويد صادقا عندما يؤكد أنه يبتعد عن "العرض الرتيب الذي يخفي الصعوبات، ويسد الثغرات ويحجب الشكوك" لكنه على وجه التحديد يقدّم علما بما فيه من "وعورة وفجاجة وادّعاء وتردد" .. وتلك هي، بالضبط، مجمل اللعبة المسلية في الكتاب ! 

مزحة كونديرا




 رواية لا يستطيع كتابتها إلا قلمٌ بارع حدّ "الشيطنة" وحدّ "إثارة الرعب" ..
لا تكشف أسرارها وجمالياتها إلا بتأنٍ وتمهّل فاتن،.فــ على الرغم من تمحور الكتاب حول قدرة "مزحةٍ" ما على تغيير مسار حيوات ومصائر، إلا أن هذه الفكرة المتألقة وحدها ليستْ سر هذه الرواية. إنها هذه الحبكة السردية التي تجاوزت حدّ الإتقان إلى المكر اللذيذ، والتلاعب الخلاّق.


كنتُ أقرأ، ثم أعود إلى صفحات سابقة، وأنا متأكدة أن هذا المشهد قد مرّ علي سابقا. لأكتشف، أن روايته تمت عن طريق شخصية مختلفة، وبزاوية "نفسية" مختلفة. كل هذا يحدث، كما لو أنه عفوي، وليس كـ تكنيك صارم ومتكلّف.


هل يعني ذلك أني قرأتُ الرواية بالكامل، بمتعةٍ خالصة ؟

أشك في ذلك. 

في القسم الذي تحدّث فيه "جاروسلاف" عن الموسيقى وباستفاضة، شعرتُ أنه تجاهل كونه مجرد شخصية في رواية ما، وبدا كـ كاتبٍ متخصص ومتعمق في فن الموسيقى. قرأتُ هذه الصفحات بـصبرٍ نافذ ..
الرواية كانتْ تتألق في خطّ تصاعدي مثير. النهاية جاءتْ شاعرية وأقل صرامة مما توقعت